فصل: باب: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (185)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***


باب‏:‏ قِصَّةُ الأَسْوَدِ العَنْسِي

وقتله الفَيْرُوز الدَّيْلَميّ الصحابيّ‏.‏ وقتل مُسَيْلَمَةَ قاتلُ حمزة‏.‏ وإنَّما لم يَقْتُلْهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لئلا يُقَالَ‏:‏ إنه يَقْتُلُ كلَّ من يدَّعي النبوةَ، فترك أمره إلى الله، حتَّى قُتِلَ في زمن أبي بكر‏.‏ وفيه منقبةٌ لأبي بكرٍ، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم تولَّى نَفْخَ السِّوَارَيْنِ بنفسه حتَّى طارا، ثم ظَهَرَ تأويله على يد أبي بكرٍ‏.‏ ذكره في «الفتح»‏.‏

باب‏:‏ قِصَّةِ أَهْلِ نَجْرَان

باب‏:‏ قِصَّةُ عُمَانَ وَالبَحْرَين

وَعَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيَ‏:‏ سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ جِئْتُهُ، فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ‏:‏ عُدَّهَا، فَعَدَدْتُهَا‏.‏ فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ، فَقَالَ‏:‏ خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَينِ‏.‏

وكان أهل نَجْرَان جاءوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ليناظروه في أمر عيسى عليه الصلاة والسَّلام‏.‏ فلمَّا لم يَقْبَلُوا الحقَّ دعاهم إلى المُبَاهَلَةِ‏.‏ والبُهْلَةُ‏:‏ اللعنةُ‏.‏ والمُبَاهَلَةُ عندي كانت على جميع ما يتعلَّقُ بشأن عيسى عليه الصلاة والسلام، من براءة أمِّه، وحياتِهِ عليه الصَّلاة والسَّلام وغيرها‏.‏ وقد نَقَلْتُ عبارةَ محمد بن إسحاق برمتها في رسالتي «عقيدة الإِسلام»، فهذا دليلٌ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قد بَاهَلَهُمْ على حياته أيضاً‏.‏

ثُمَّ إن رؤساءهم أيضاً كانوا معهم، وكان اسمُ أحدهم العاقبَ، والآخر السَّيِّد، والذي فَهِمْتُ أنه على عُرْفِ العرب، فإنَّهم كانوا يسمَّوْنَ من يكون إمام الجيش حاشراً، والذي يكون عَقِيبه عَاقِباً‏.‏ وعلى هذا فلعلَّ السيدَ كان لقباً لمن كان إمامهم، والعاقِبَ للذي كان في عَقِبِهِمْ‏.‏ وبهذا فَلْيُشْرَحْ اسم النبيِّ صلى الله عليه وسلّم العاقب‏.‏ والشارحون غَفَلُوا عن هذه المجاورة، فلم يتوجَّهُوا إليها‏.‏ وحينئذٍ تسميتُه عاقباً، بمعنى كونه على عَقِبِ الأنبياء، كما يسمَّى الآخر من الجيش عَاقِباً، لكونه في عَقِبِهِمْ‏.‏

واعلم أن المُبَاهَلَةَ تَجُوزُ في المضايق الآن أيضاً، وقد دوَّن الدَّوَّانيُّ الشافعيُّ شرائطَهَا في رسالةٍ مستقلَّةٍ‏.‏ وقد كان من دَيْدَن لعين القاديان صاحب الهذر والهذيان، والدعوةُ إلى المباهلة‏.‏ وقد كان الناسُ لا يَتَبَادَرُون إليها لغناء ربِّ العالمين، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قد كان ربُّه وَعَدَهُ بالنصر‏.‏ وأمَّا نحن في هذه الحالة، والله غنيٌّ عن العالمين، وأنَّى نَعْلَمُ أنه لا يَنْصُرُ ذلك الشقيُّ استدراجاً‏.‏ فدعى أذنابه- علماء ديوبند إليها- فتأخَّروا عنها لهذا‏.‏ ودَعَوْهُ إلى المناظرة لِيَهْلِكَ من هَلَكَ عن بيِّنةٍ، ويحيى من حيي عن بيِّنةٍ‏.‏ ولكن المخذولون المحرومون عن العلم، كانوا يَخَافُون أن يَخْرُجُوا إلينا في تلك المعركة‏.‏ فلمَّا رأيناهم أنهم لا يَخْرُجُون إلاَّ إلى المُبَاهَلَةِ، قَبِلْنَاها منهم أيضاً، وأرَدْنَا أن لا نَتْرُكَ لهم عذراً‏.‏ ولكنَّهم لمَّا رأوا أنا قد تأهَّبنا لها إذا هم يَنْكُثُون‏.‏ فلمَّا رَجَعَ شيخُنا من مالتا- وكان بها أسيراً منذ سنين- وسَمِعَ القصةَ غَضِبَ علينا، وقال‏:‏ ما دلَّكم على أن اللَّهَ تعالى ناصرُكم‏.‏

فلمَّا ذَكَرْنَا له ما كان من أمرنا، وأنا لم نتقدَّم إليها إلاَّ بعد أن جلَّ الخطب، سَكَنَ غضبه‏.‏

4381- قوله‏:‏ ‏(‏فاسْتَشْرَفَ له النَّاسُ‏)‏ حتَّى إن الشيخين أيضاً كانا يَمُرّان من بين يديه صلى الله عليه وسلّم طمعاً في أن يكونَ مِصْدَاقاً لقوله‏:‏ «لأَبْعَثَنَّ إليكم رجلاً أميناً حَقَّ أَمين»‏.‏

باب‏:‏ قُدُومِ الأَشْعَرِيِّينَ وَأَهْلِ اليَمَن

وَقالَ أَبُو مُوسى، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم «هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ»‏.‏

وقد كان أبو موسى الأشعريّ خَرَجَ مرَّةً يريد المدينةَ المنورةَ، فَلَعِبَتْ به الأمواجُ، ولَفَظَتْهُ إلى اليمين، ثم جاء في السنة السابعة‏.‏

4385- قوله‏:‏ ‏(‏فَأَبَى أَنْ يَحْمِلَنَا‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وكان إذ ذاك مغضباً، فلم يَلْبَثْ أن رَجَعَ عن قوله، وأعطاهم‏.‏

4385- قوله‏:‏ ‏(‏ولَكِنْ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، والظاهرُ أن يمينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم هذا كان يمينَ الفَوْرِ‏.‏ فينبغي أن يكونَ مَقْصُوراً على ذلك الوقت فقط، فلا حاجةَ إلى التكفير، فما معنى هذا القول‏؟‏‏.‏

قلتُ‏:‏ قصرُ اليمين الفور على محلِّه تخريجٌ للحنفية، وليست مسألةً متفقٌ عليها‏.‏ مسألة في فقه الحنفية‏:‏ أن الجلاَّلةَ إذا أَنْتَنَ لحمها، وظَهَرَ ريحُ النجاسة في لحمها، تُحْبَسُ أياماً ثم تُؤْكَلُ، وإن لم تَظْهَرْ الريحُ فيه لا بأس بأكلها‏.‏

4387- قوله‏:‏ ‏(‏الإِيمَانُ ههُنَا‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ ولذا قلَّما وقعت الحروب باليمن، وجاء أكثرُهم مسلمين طائعين‏.‏

4387- قوله‏:‏ ‏(‏رَبِيعَةَ، ومُضَرَ‏)‏، أمَّا ربيعةُ فمن أعمامه، وأمَّا مُضَرُ فمن أجداده صلى الله عليه وسلّم

4388- قوله‏:‏ ‏(‏أَرَقُّ أَفْئِدَةً‏)‏، وقد مرَّ الفرقُ بين الفؤاد والقلب في أوائل الكتاب، ذيل قوله‏:‏ «يرجف فؤاده»‏.‏ وقد توجَّه إلى الفرق بينهما في الشرح المنسوب إلى المَاتُرِيدِي على الفقه الأكبر‏.‏ فالفؤادُ عندي أخصُّ من القلب، ولعلَّ المضغةَ هي القلبُ، والفؤادُ حصَّةٌ منه‏.‏ وإنما توجَّهْتُ إلى بيان الفرق، لِيَنْكَشِفَ الغطاءُ عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى‏}‏ ‏(‏النجم‏:‏ 11‏)‏‏.‏

4391- قوله‏:‏ ‏(‏عَلْقَمَة‏)‏ هو من أخوال إبراهيم النَّخَعِيّ‏.‏

4391- قوله‏:‏ ‏(‏ثُمَّ الْتَفَتَ إلى خَبَّابٍ، وَعَلَيْهِ خَاتِمٌ مِنْ ذَهَبٍ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، ولا أدري ماذا وَقَعَتْ له من المغالطة في لُبْسِ خاتمِ ذهبٍ، مع كونه حراماً‏.‏

باب‏:‏ قِصَّةُ دَوْسٍ وَالطفَيلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِي

يَا لَيلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا *** عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفرِ نَجَّتِ

وَأَبَقَ غُلاَمٌ لِي في الطِرِيق، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلّم فَبَايَعْتُهُ، فَبَينَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الغُلاَمُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «يَا أَبَا هُرَيرَةَ هذا غُلاَمُكَ»‏.‏ فَقُلتُ‏:‏ هُوَ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَأَعْتَقْتُهُ‏.‏

وهذا صحابيٌّ من قبيلة أبي هُرَيْرَة، وقد أَسْلَمَ قبله‏.‏

4393- قوله‏:‏ ‏(‏عَلَى أنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ‏)‏ والدَّارَةُ أخصُّ من الدار، والمرادُ منها ههنا علاقةُ الكفر‏.‏

باب‏:‏ قِصَّةُ وَفدِ طَيِّىءٍ، وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حاتِم

4394- قوله‏:‏ ‏(‏فَجَعَلَ يَدْعُو رَجُلاً رَجُلاً، ويُسَمِّيهم، فقلتُ‏:‏ أَمَا تَعْرِفُنِي يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ‏؟‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أي لما لم يَلْتَفِتْ عمر إلى عَدِيَ- وكان ابنَ حَاتِمٍ الشهيرَ- سَاءَهُ ذلك، وقال‏:‏ أَمَا تَعْرِفُنِي‏؟‏ فلما أَجَابَهُ عمرُ بما في الحديث، فَرِحَ به، وقال‏:‏ فلا أُبَالي إذاً‏.‏

باب‏:‏ حَجَّةُ الوَدَاع

ولم يَظْهَرْ لي وجهُ تقديمها على غزوة تَبُوك، مع كونها في السنة التاسعة، وتلك في العاشرة‏.‏

4402- قوله‏:‏ ‏(‏ولاَ نَدْرِي ما حَجَّةُ الوَدَاعِ‏)‏ فلما تُوُفِّيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بعدها بقليلٍ عَرَفُوهَا‏.‏

4402- قوله‏:‏ ‏(‏فَحَمِدَ اللَّهَ، وأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ المَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَأَطْنَبَ في ذِكْرِهِ‏)‏ وهذه القطعةُ ليست بمذكورةٍ في البخاريِّ إلاَّ في هذا الموضع، وفيه دليلٌ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان يَعْرِفُ المسيحَ الدجَّال، كما يَعْرِفُ أحدُكم أن دون الليلة غداً‏.‏ وهذا الشقيُّ المحرومُ يدَّعي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يُؤْتَ من علمه كما هو، ثم يَهْذِي أنه قد أُعْطِي به- والعياذ بالله- وماله ولعلوم الأنبياء‏.‏ وإنَّما كان يُوحِي إليه شيطانُه، فكان يظنُّه وحيَ نبوةٍ، لَعَنَهُ اللَّهُ لعناً كبيراً، وحَسْبُه جهنَّم وساءت مصيراً‏.‏ ثم عند البخاريِّ عن ابن عمر‏:‏ «أنه بعدما رَجَعَ من عند ابن صيَّاد خَطَبَ خُطْبَةً، فذكر فيها الدَّجَّالَ، وقال‏:‏ إنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ فتبيَّن أن ابن صيَّاد لم يَكُنْ دجَّالاً معهوداً عنده، وإنما كان دجَّالاً من الدجاجلة‏.‏

4413- قوله‏:‏ ‏(‏العَنَقَ‏)‏‏:‏ هو المشيُ الذي يتحرَّكُ منه عنق الراحلة، والنَّصُّ فوقه‏.‏

باب‏:‏ غَزْوَةُ تَبُوكَ، وَهيَ غَزْوَةُ العُسْرَة

كانت في التاسعة، وذكر الواقديُّ صاحب «المغازي»‏:‏ أن الصحابةَ كانوا فيها سبعين ألفاً‏.‏

فائدةٌ مهمةٌ‏:‏ واعلم أنهم تكلَّمُوا في الواقديِّ، وأمره عندي أنه حاطب ليلٍ، يَجْمَعُ بين رجلٍ وخيلٍ، فيأتي بكلِّ رطبٍ ويابسٍ، صحيحٍ وسقيمٍ، وليس بكذَّابٍ، وهو متقدِّمٌ عن أحمد، وأكبرُ منه سِنّاً، ولكنه أضاعه فقدان الرفقة، وقلة ناصريه، فتكلَّم فيه من شاء‏.‏ وأمَّا الدّارَقُطْنيُّ، فإنه وإن أتى بكلِّ نحوٍ من الحديث، لكنه شافعيُّ المذهب، فَكَثُرَتْ حماته، فاشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار، وبَقِي الواقديُّ مجروحاً، لا يَذُبُّ عنه أحدٌ، فذلك عندي من أمر الواقديِّ‏.‏ أمَّا جمعه بين الضعاف والصحاح، فذلك أمرٌ لم يَنْفَرِدْ به هو، بل فعله آخرون أيضاً، والأذواقُ فيه مختلفةٌ، فمنهم من يَسِيرُ سيره، ومنهم من يَكْرَهُهُ، فلا يأتي إلاَّ بالمعتبرات‏.‏

4415- قوله‏:‏ ‏(‏خُذْ هذَيْنِ القَرِينَيْنِ‏)‏، كانوا يَشُدُّون بعيرين مُتَنَاسِبَيْنِ طبعاً، مُتَوَافِقَيْن سِنّاً في حبل واحدٍ في أصل شجرةٍ، ويُقَالُ لهما‏:‏ القَرِينَان، وترجمته في الهندية‏:‏ جوت‏.‏

باب‏:‏ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلّفُواْ‏}‏

قالَ‏:‏ فَبَينَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ المَدِينَةِ، إِذَا نَبَطيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ، مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالمَدِينَةِ، يَقُولُ‏:‏ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مالِكٍ‏؟‏ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَاباً مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ‏.‏ فَقُلتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا‏:‏ وَهذا أَيضاً مِنَ البَلاَءِ، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيلَةً مِنَ الخَمْسِينَ، إِذَا رَسُولُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم يَأْتِينِي فَقَالَ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلتُ‏:‏ أُطَلِّقُهَا أَمْ ماذَا أَفعَلُ‏؟‏ قالَ‏:‏ لاَ، بَلِ اعْتَزِلهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا‏.‏ وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذلِكَ، فَقُلتُ لاِمْرَأَتِي‏:‏ الحقِي بِأَهْلِكِ، فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ في هذا الأَمْرِ‏.‏

قالَ كَعْبٌ‏:‏ فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّم فَقَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيخٌ ضَائِعٌ لَيسَ لَهُ خادِمٌ، فَهَل تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ‏؟‏ قالَ‏:‏ «لاَ، وَلكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ»‏.‏ قالَتْ‏:‏ إِنَّهُ وَاللَّهِ ما بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيءٍ، وَاللَّهِ ما زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كانَ مِنْ أَمْرِهِ ما كانَ إِلَى يَوْمِهِ هذا‏.‏ فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي‏:‏ لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّم في امْرَأَتِكَ، كما أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ‏؟‏ فَقُلتُ‏:‏ وَاللَّهِ لاَ أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّم وَما يُدْرِينِي ما يَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ‏؟‏ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيلَةً مِنْ حِينَ نَهى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم عَنْ كَلاَمِنَا، فَلَمَّا صَلَّيتُ صَلاَةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَينَا أَنَا جالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَليَّ نَفسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلعٍ، بأَعْلَى صَوْتِهِ‏:‏ يَا كَعْبُ بْنَ مالِكٍ أَبْشِرْ، قال‏:‏ فَخَرَرْتُ سَاجِداً، وَعَرَفتُ أَنْ قَدْ جاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَينَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشَّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَساً، وَسَعى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَأَوْفَى عَلَى الجَبلِ، وَكانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ، فَلَمَّا جاءَنِي

الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُما بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ ما أَمْلِكُ غَيرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَينِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً، يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ‏:‏ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيكَ، قالَ كَعْبٌ‏:‏ حَتَّى دَخَلتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم جالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلحَةُ بْنُ عُبَيدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ ما قامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيرَهُ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلحَةَ، قالَ كَعْبٌ‏:‏ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ‏:‏ «أَبْشِرْ بِخَيرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ»‏.‏ قالَ‏:‏ قُلتُ‏:‏ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏؟‏ قالَ‏:‏ «لاَ، بَل مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»‏.‏ وَكانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَينَ يَدَيهِ قُلتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِع مِنْ مالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رسُولِ اللَّهِ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «أَمْسِكْ عَلَيكَ بَعْضَ مالِكَ فَهُوَ خَيرٌ لَكَ»‏.‏ قُلتُ‏:‏ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيبَرَ، فَقُلتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقاً ما بَقِيتُ‏.‏ فَوَاللَّهِ ما أَعْلَمُ أَحَداً مِنَ المُسْلِمِينَ

أَبْلاَهُ اللَّهُ في صدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي، ما تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم إِلَى يَوْمِي هذا كَذِباً، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيما بَقِيتُ‏.‏ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلّم ‏{‏لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِىّ وَالْمُهَجِرِينَ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 117- 119‏)‏‏.‏ فَوَاللَّهِ ما أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ، بَعْدَ أَنْ هَدَانِي للإِسْلاَمِ، أَعْظَمَ في نَفسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كما هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا- حِينَ أَنْزَلَ الوَحْيَ- شَرَّ ما قالَ لأَحَدٍ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَسِقِينَ‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 95- 96‏)‏‏.‏ قالَ كَعْبٌ‏:‏ وَكُنَّا تَخَلَّفنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم أَمْرَنَا حَتَّى قَضى اللَّهُ فِيهِ، فَبذلِكَ قالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلّفُواْ‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 118‏)‏‏.‏ وَلَيسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفنَا عَنِ الغَزْوِ، إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإِرْجاؤُهُ أَمْرَنَا، عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيهِ فَقَبِلَ مِنْهُ‏.‏

4418- قوله‏:‏ ‏(‏فَطُفْتُ فِيهِم، أَحْزَنَنِي أَنِّي لا أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصاً عليه النِّفَاقُ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وفيه دليلٌ على ما قلتُ أوَّلاً‏:‏ إن المنافقين كانوا يُعْرَفُونَ عندهم بِسِيمَاهُم، ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم ير مصلحةً أن يَطْلُبَ بيِّنةً على نفاقهم، ثم يَضْرِبُ أعناقَهم‏.‏

ثم إن معنى قوله‏:‏ ‏{‏خُلّفُواْ‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 118‏)‏ في القرآن، أي لم يُسْمَعْ عُذْرُهم، وتأخَّر أمرُهم‏.‏ وهذا الذي فَهِمَهُ صاحب الواقعة، كما يُعْلَمُ من قوله‏:‏ «قال كعب‏:‏ وكنا تخلَّفنا أيُّها الثلاثةُ عن أمر أولئك الذين قَبِلَ منهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم حين خَلَفُوا له»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وفَهِمَ الناسُ معناه، أي تخلَّفوا عن السفر‏.‏

4418- قوله‏:‏ ‏(‏إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قاله استشارةً، كما يَلُوحُ من السياق، لا أنه وقفٌ، أو نذرٌ في الحال، لتتفرَّعَ عليه المسائل‏.‏

حكايةٌ‏:‏ لمَّا كان من سُنَّةِ المُبَشِّرِ أن يُعْطَى له شيئاً، كَسَى كعبٌ ثوبيه من كان بشَّرَهُ بقَبُول توبته‏.‏ ومن هذا الباب‏:‏ ما جرى بين الشافعيِّ، وأحمد، فإن الشافعيَّ سافر من الحجاز مرَّتين‏:‏ مرَّةً إلى محمد بن الحسن، ومرَّةً إلى الإِمام أحمد، فلمَّا قَفَلَ إلى مصر رأى رؤيا‏:‏ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم يقول‏:‏ بشِّرْ أحمدَ على بلوى تُصِيبُهُ، فقال لأصحابه‏:‏ من يقوم منكم بهذا الأمر‏؟‏ قال له المُزَنيُّ وهو خالُ الطحاويِّ‏:‏ أنا‏.‏ فلمَّا بَلَغَ أحمد، وبشَّره به، بكى، وقال‏:‏ لعلَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم اسْتَشْعَرَ بي ضعفاً وخشوعاً، ثم نَزَعَ قميصه وأعطاه‏.‏ فلمَّا رَجَعَ المُزَنيُّ إلى الشافعيِّ، وقصَّ عليه أمره، سأله أنه هل أعطاه شيئاً‏؟‏ قال‏:‏ نعم، هذا قميصه‏.‏ فقال له الشافعيُّ‏:‏ إني لا أُجْهِدُكَ اليوم، ولا أقول‏:‏ أن تسمحَ لي بقميصه‏.‏ ولكن أَرْجُو منك أن تَبُلَّهُ في الماء، ثم تَعْصِرَهُ، فتعطيني عُصَارَتَهُ، ففعله‏.‏ فلمَّا جاءه بالماء المطلوب شَرِبَ بعضَه، ومَسَحَ ببعضه‏.‏ فهذا شأنُ الأئمة، وهداة الدين فيما بينهم رحمهم الله تعالى‏.‏

باب‏:‏ نُزُولُ النبي صلى الله عليه وسلّم الحِجْر

4419- قوله‏:‏ ‏(‏ثمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ‏)‏ وكأن هذه كانت هيئةَ متعوِّذٍ من عذاب الله تعالى‏.‏ وهذا عندي أصلٌ لاستحسان الطَّيْلَسَان‏.‏ وحرَّر السيوطي فيه رسالةً، إلاَّ أن ذهنَه لم يَنْتَقِلْ إلى هذا الاستنباط‏.‏

فائدةٌ‏:‏ واعلم أن دِيَارَ ثَمُودَ كانت على سيف البحر من هذا الجانب، وذهابه إلى تَبُوكَ كان من غرب العرب، ولا تَقَعْ فيه تلك الديار‏.‏ إلاَّ أني لا أعْتَمِدُ على ما عندي من علم الجغرافية في تلك الساعة، ولا يتأتَّى الإِيرادُ إلاَّ بعد الاستحضار‏.‏

باب

4421- قوله‏:‏ ‏(‏فَقُمْتُ أَسْكُبُ عَلْيِهِ المَاءَ‏)‏ وفيه زيادةٌ عند أحمد في «مسنده»‏:‏ «أن المُغِيرَةَ أتى بالماء من عند امرأة، فَأَمَرَهُ أن يَسْأَلَهَا عن الماء، أنه كان في جلدٍ مدبوغٍ أو غيره»، وهذا يُفِيدُنا في مسألة المياه‏.‏

باب‏:‏ كِتَابُ النبي صلى الله عليه وسلّم إِلَى كِسْرَى وَقَيصَر

4425- قوله‏:‏ ‏(‏أَيَّامَ الجَمَلِ‏)‏، وهي الحرب بين عائشةَ، وعليّ رضي الله تعالى عنهما‏.‏

باب‏:‏ كِتَابُ النبي صلى الله عليه وسلّم إِلَى كِسْرَى وَقَيصَر

باب‏:‏ مَرَضِ النبي صلى الله عليه وسلّم وَوَفاتِه

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ‏}‏ ‏(‏الزمر‏:‏ 30- 31‏)‏‏.‏

قالَ عُبَيدُ اللَّهِ‏:‏ فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالَّذِي قالَتْ عائِشَةُ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ هَل تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عائِشَةُ‏؟‏ قالَ‏:‏ قُلتُ‏:‏ لاَ، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ هُوَ عَلِيٌّ‏.‏

رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسى وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

قوله‏:‏ ‏(‏وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ‏}‏‏)‏ قال اللُّغويُّون‏:‏ إن المخفَّفَ لمن مات، والمشدَّدَ لمن كان حياً وسيموت‏.‏ ثم إن للواو ثلاثة معانٍ ليست عندي، وإن لم يَكْتُبْهُ النحاة، لكنها إذا ثَبَتَتْ عندي من الخارج، فلا أُبَالي بأنهم دوَّنوها أو لا‏.‏ الأوَّلُ‏:‏ العطفُ؛ والثاني‏:‏ المعيَّة؛ والثالثُ‏:‏ ما تُفِيدُ معنى أيضاً، وهو المرادُ ههنا، فالمعنى إنك ميِّتٌ وإنَّهم ميِّتُون أيضاً‏.‏ وراجع له «عقيدة الإِسلام»‏.‏

4428- قوله‏:‏ ‏(‏انْقِطَاعَ أَبْهَرِي‏)‏ والسِّرُّ في موته بأثر السُّمِّ أن تشرَّف بالشهادة الباطنية، كما مرّ‏.‏ والأَبْهَرُ‏:‏ عِرْقٌ خرجت من الكَبِدِ، وسَرَتْ إلى سائر الجسد‏.‏

فائدةٌ‏:‏ وقد علَّق شقي القاديان بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 67‏)‏، وليس بشيءٍ، فإن فيه عموماً غير مقصودٍ، وقد مرَّ فيه بعض شيءٍ‏.‏

4429- قوله‏:‏ ‏(‏يقرأ في المغرب بالمرسلات‏)‏ وصلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلّم في مرض موته أربع صلوات عندي مع الجماعة، كما مرَّ مفصَّلاً‏.‏

4431- قوله‏:‏ ‏(‏أَهَجَرَ‏)‏ والهَجْر‏:‏ الهَذَيَان، وقد شَغَبَ فيه الروافضُ الملاعنة‏.‏ قلتُ‏:‏ ولا شيءَ لهم فيه، فإنه قاله على طريق الإِنكار، ففيه سلبُ الهَجْرِ، لا ما يريدونه‏.‏

4432- قوله‏:‏ ‏(‏لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم واعلم أن التخريجَ قد يَخْتَلِفُ في الفعل المعروف والمجهول، فخرَّجُوا تَوَفَّى اللَّهُ زيداً تارةً من أخذ الحقِّ، وأُخرى من استيفاء العمر، بخلاف تُوُفِّي زيدٌ- مجهولاً- فلم يخرِّجُوه إلاَّ على الأوَّل‏.‏

ثم ما قيل‏:‏ إن «حَضَرَ»‏.‏ لازمٌ، فكيف أُخْرِجَ مجهولاً مع أنه ليس من الصور الثلاثة التي يَجُوزُ فيها جعل اللازم متعدِّياً‏.‏ قلتُ‏:‏ هذا جهلٌ، فإن تخريجَ المجهول لا يَجِبُ أن يكون على تخريج المعروف‏.‏ وفي خاتمة «المفتاح» عند بيان الوصايا‏:‏ أن رجلاً سأل عليّاً على جنازة رجلٍ‏:‏ من المتوفِّي‏؟‏- على صيغة اسم الفاعل- فقال له عليّ‏:‏ الله تعالى، أي توفَّاه اللَّهُ تعالى‏.‏ كأنَّه أصلحه، فإنه لم يُحْسِنْ في السؤال‏.‏ وإنَّما كان ينبغي له أن يقولَ‏:‏ المتوفَّى- على صيغة اسم المفعول ‏.‏

ثم إن قراءةَ عليّ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ‏}‏وَيَذَرُونَ أَزْوجًا ‏(‏البقرة‏:‏ 234‏)‏ ‏{‏يُتَوَفَّوْنَ‏}‏ معروفاً؛ قلتُ‏:‏ وهذا يقتضي أن يَصِحَّ إطلاقُ المتوفى المعروف أيضاً‏.‏

4433، 4434- قوله‏:‏ ‏(‏فَضَحِكَتْ‏)‏ وفي تلك الرواية‏:‏ «أنه ما من نبيَ إلاَّ وعمره نصف عمر الذي قبله»، أو كما قال‏.‏ وأخطأ الحافظُ ابن القيم في فَهْم مراده، وكذا السيوطي‏.‏ فَرَجَعَ عنه في «مرقاة الصعود» وليس بصوابٍ أيضاً‏.‏ والصوابُ على ما مرَّ منِّي أنه رُفِعَ وهو ابن ثمانين سنة‏.‏ ومَنْ رَوَى أنه رُفِعَ وهو ابن ثلاث وثلاثين، فكأنَّه قَصَدَ معنًى آخر، وهو أن ذلك عمر أهل الجنة، والمرادُ منه بقاؤهم، ودوامُهم على تلك الحال، فَأَرَادَ أنه رُفِعَ وهو على سنِّ أهل الجنَّةِ‏.‏ بمعنى‏:‏ أنه لا يخلِّقه مرور الدهور، ومضي الأزمنة، فَيَبْقَى على حالٍ واحدٍ، نحو بقائهم لا تَبْلَى ثيابُهم، ولا يَفْنَى شبابُهم‏.‏ وذلك لكونه في موطنٍ ليست فيه تلك التغيرات، ومن يَسْكُنْ فيها يَصِيرُ كأهل الجنة على ثلاث وثلاثين سنة، شاباً عبقرياً‏.‏ فَيَنْزِلُ عليه الصَّلاة والسَّلام كما رُفِعَ، لم يَمَسَّهُ نَصَبٌ ولا وَصَبٌ، يَقْطُرُ رأسه ماءً، لأنه رُفِعَ وكان قد اغتسل، فَيَنْزِلُ كما أنه خَرَجَ من الحمَّام الآن‏.‏ فبقاؤُه على سمات أهل الجنة هو الذي أراده من أراده، فليفهم‏.‏ ومَنْ لم يَجْعَلْ اللَّهُ له نُوراً فما له من نورٍ‏.‏

4435- قوله‏:‏ ‏(‏لا يَمُوتُ نبيٌّ حتَّى يُخَيَّرَ‏)‏ نادت الأحاديثُ بتخير الأنبياءِ عليهم السَّلام، وقد كان موسى عليه الصلاة والسلام خُيِّر أن يَضَعَ يده على متن الثور، ليكونَ عمره بقدر ما سَتَرَتْهُ يده‏.‏ فلو فَعَلَهُ ماذا كان عمره‏.‏ ونادى القرآنُ بأنَّ نوحاً عليه الصلاة والسَّلام لَبِثَ في قومه ألفاً إلاَّ خمسين عاماً‏.‏ ثم هذا الشقيُّ الغنيُّ الغويُّ يَسْخَرُ بطول حياة عيسى عليه الصلاة والسَّلام، كأنَّه لم يَكُنْ عند اللعين للتخيير، ووضع اليد معنى، وكان هُزْءاً محضاً، ما أكفره‏.‏

4435- قوله‏:‏ ‏(‏وأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ‏)‏‏:‏ أي سُعَال‏.‏

4439- قوله‏:‏ ‏(‏نَفَثَ على نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ‏)‏ والثالثةُ‏:‏ سورة الإِخلاص‏.‏

4439- قوله‏:‏ ‏(‏وأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلّم وهذا من كمال عِلْمِهَا، حيث قَرَأَتْ المُعَوِّذَاتِ بنفسها، لما رأته حَصِيراً عنها، ثم لم تَمْسَحْ بيدها‏.‏ بل مَسَحَتْهُ بيده الكريمة ليكونَ أزيدَ بركةً‏.‏

4442- قوله‏:‏ ‏(‏ثُمَّ خَرَجَ إلى النَّاسِ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وفيه صراحةٌ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم خَرَجَ إلى الصلاة في تلك الليلة، ولا علينا أن نَفُكَّ النظمَ، ونحمله على خروجه في يومٍ آخر‏.‏

4443، 4444- قوله‏:‏ ‏(‏لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ‏)‏ وفي حديث الصَّلْت بن محمد قبله‏:‏ «لَعَنَ اللَّهُ اليهودَ»، وليس فيه ذكر النصارى، وقد تعلَّق به شقي القاديان‏.‏ وقد مرَّ ما فيه، على أنا نقول‏:‏ إن النصارى متى عَبَدُوا قبر عيسى عليه الصلاة والسلام، فإن تقدَّم إليه يُكَذِّبُه التاريخ، ويبقى عارُه عليه إلى آخر الأمد، ولكن أين له الحياء‏.‏

4446- قوله‏:‏ ‏(‏فَلاَ أَكْرَهُ شِدَّةَ المَوْتِ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، ولا دليلَ فيه على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم شُدِّدَ في موته ما لم يُشَدَّد في موت أحدٍ‏.‏ وإنما هو من باب الاعتبار، وصور التعبيرات فقط، فإنه لما رَأَتْ غِلْظَةً وخشونةً في مجاري نَفَسِهِ صلى الله عليه وسلّم عبَّرت عنه بما عبَّرت‏.‏ ونحو هذه التعبيرات قد كَثُرَتْ عند أهل العُرْف في هذه المواقع، فلا تَكُنْ من الغافلين‏.‏ وقد مرَّ منِّي بما لا يَحْصَى أن من أَوْجَدَ الحقائقَ نظراً إلى الألفاظ فقط، وقطع النظرَ عمَّا في الخارج، فقد تعدَّى وظلم‏.‏

4447- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَالَ عَلِيٌّ‏:‏ إنَّا واللَّهَ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم فَمَنَعَنَاهَا، لا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، وإنِّي واللَّهِ لا أَسْأَلُهَا‏)‏ وفي «الفتح»‏:‏ أن مَعْمَّراً كان يَمْتَحِنُ تلامذته في ذلك، ويقول‏:‏ أيهما كان أصوبَ رأياً، عليّ، أم العباس‏؟‏ فكنَّا نقول‏:‏ العباس، فيأبى، ويقول‏:‏ لو كان أعطاها عليّاً، فمنعه الناس لكفروا‏.‏

4448- قوله‏:‏ ‏(‏بينا هُمْ في صَلاَةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الاثْنَيْنِ، وأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وظاهرُ هذا الحديث‏:‏ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يَخْرُجْ إليهم في تلك الصلاة‏.‏ ولكن أَخْرَجَ الشافعيُّ في «الأم» بسند ابن أبي مُلَيْكَة مرسلاً‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسَّلام دَخَلَ فيها مع القوم، واقتدى بأبي بكرٍ»، وسماع ابن أبي مُلَيْكَةَ ثابتٌ من عائشة، فمرسلُه يكون في حكم المرفوع، فَيُتْرَكُ به تَبَادُر ما في البخاريِّ‏.‏

وكان بعضُ الصحابة رضي الله تعالى عنهم أيضاً مع النبيِّ صلى الله عليه وسلّم على ذلك الطعام، فَتُوُفِّي منهم رجلٌ، ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم بقي حيّاً، واستكمل حياته التي كَتَبَهَا اللَّهُ له، حتَّى ظَهَرَ أثره في آخر عمره، فوجد منه انقطاع أَبْهَرِهِ، وحَصَلَتْ له الشهادةُ الباطنيةُ، إذا لم تكن الشهادةُ الظاهريةُ تُنَاسِبُ له، فَأَبْدَلَهُ الله تعالى تلك بتلك‏.‏ وفي «مجمع البحار» تحت لفظ التوفِّي، ذيل تلك الحادثة‏:‏ أن الصحابةَ الذين أَكَلُوا معه الشاةَ المسمومةَ، توفُّوا، فَدَلَّ على وفاة أكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم الآكلين، مع أن في الرواية وفاةُ رجلٍ منهم‏.‏ قلتُ‏:‏ إن التوفِّي بمعنى إكمال العمر، فليس التوفِّي في حقِّهم بمعنى أنهم ماتوا، بل بمعنى أنهم كمَّلُوا أعمارَهُم، وأُخِّرُوا إلى آجالهم، فاندفع التعارُض‏.‏

4449- قوله‏:‏ ‏(‏ثمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ‏:‏ في الرَّفِيقِ الأَعْلَى‏)‏ واعلم أن عبادةَ الأنبياء عليهم السَّلام ليس فيها تشبيهٌ محضٌ، كعبدة الأصنام، ولا تجريدٌ صِرْفٌ، كالفلاسفة، فهي بين التعطيل الصِّرْف، والتشبيه البحث، فكان يُشِيرُ عند دعائه إلى التجريد أيضاً‏.‏ واعلم أنه مرَّ في هذا الحديث‏:‏ «رفع يده، أو إصْبَعَه، ثم قال‏:‏ في الرفيق الأعلى»، وفيه فائدةٌ مهمةٌ ينبغي الاعتناء بها، وهي‏:‏ أن فيه إشارةً إلى أن رفعَ الإِصْبَع أيضاً من صورالدعاء‏.‏ ولذا عدَّه الشيخُ ابن الهُمَام صورةً من صورها، فجوَّزه في شدَّة البرد‏.‏ وعند الترمذيِّ في باب ما جاء في كراهية رفع الأيدي في المنبر في الدعاء‏:‏ «أن بِشْرَ بن مروان خَطَبَ، فَرَفَعَ يديه في الدعاء، فقال عُمَارَة‏:‏ قَبَحَ اللَّهُ هاتين اليدين القصيرتين، لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم وما يَزِيدُ على أن يقولَ هكذا‏:‏ وأَشَارَ هُشَيْمٌ بالسَّبَّابَةِ»‏.‏ اه‏.‏

وحَمَلَهُ بعضُهم على أن الرفعَ كان للتفهيم على ما عَرَفُوه من عادة الخُطَبَاءِ، وذلك لعدم علمهم بكونه صورةً من صور الدعاء أيضاً، لفقدان العمل وانقطاع التعامل‏.‏ والصوابُ عندي أنه كان للدعاء، كما بوَّب به الترمذيُّ، وكذلك عند البيهقيِّ كيف وفي الحديث تصريحٌ بأن الرفعَ كان للدعاء‏.‏ ولَيُحْفَظْ لفظ الترمذيِّ، فإن فيه تصريحاً بذلك‏.‏

ثم إنه نُقِلَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم رفع إصْبَعَهُ حين وُلِدَ، وقال‏:‏ «الله أكبر»‏.‏ ولمَّا تُوُفِّي رفعها أيضاً، وقال‏:‏ «اللهم الرفيق الأعلى»، فَنِعْمَتِ البدايةُ، ونَعِمْتِ النهايةُ‏.‏ حيث ذَكَرَ في كلِّ حالٍ ما نَاسَبَهُ، فإن المناسبَ لأوَّل حاله كان بيان الكبرياء، لأنه لذلك وُلِدَ وكان الأليقُ بآخر شأنه الدعاءَ عند مليكه، لأنه أوان لقائه- تبارك وتعالى- فَعَمِلَ بقوله‏:‏ ‏{‏فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبّكَ فَارْغَبْ‏}‏ ‏(‏الشرح‏:‏ 7، 8‏)‏‏.‏

4452، 4453- قوله‏:‏ ‏(‏أَمَّا المَوْتَةَ التي كُتِبَتْ عَلَيْكَ، فَقَدْ مُتَّهَا‏)‏، مجهولاً مع ضمير المفعول به، وهو الطريقُ في الفعل اللازم إذا جُعِلَ متعدِّياً بنحوٍ من التجوُّز‏.‏

4458- قوله‏:‏ ‏(‏لا يَبْقَى أَحَدٌ في البَيْتِ إلاَّ لُدَّ‏)‏، وإنَّما استثنى منه العبَّاسَ، إمَّا لكون عمِّ الرجل صِنْوَ أبيه، أو لكونه لم يَشْهَدْهَا، كما في الحديث أيضاً‏.‏ ثم إنه لم يَنْكَشِفْ لي سرُّ الأمر باللُّدُود، حتى رأيتُ حكايةً عن شيخٍ‏:‏ أن غلاماً كان يَحْضُرُ مجلسه، فَيَسْخَرُ منه، ويُسِيءُ الأدب بشأنه‏.‏ وكان الشيخُ يَصْبِرُ عليه، ويتحمَّلُ أذاه، ولا يقول له شيئاً‏.‏ فلم يَزَلْ ذلك طريقُه حتَّى جاءه مرَّةً، ولَطَمَ الشيخَ لَطْمَةً، فقام الشيخُ فَزِعاً، وقال لجلسائه‏:‏ الطموه من ساعته، فأبطؤوا فيه، فلم يَلْبَثْ الغلامُ أن مات‏.‏ فقال لهم الشيخُ‏:‏ إن دَمَهُه عليكم، هلاّ تَسَارَعْتُم إلى ما كنتُ أمرتكم به، ولو فَعَلْتُم لَمَا مات الغلامُ‏.‏ وذلك لأنه كان يفعل بي ما قد رأيتم، ولكنه لمَّا لَطَمَني اليومَ قامت غيرة ربِّكم، فأردتُ أن تُسْرِعُوا إليه لِيَتُمَّ الانتقام قبل أن يَنْتَقِمَ منه ربُّ الأنام، فلو قُمْتُم حين كنتُ أمرتكم به، وما تأخَّرتم فيه، لتخلَّص الغلام عن انتقامه تعالى، ولكنَّكم أبطأتم حتى أخذه ذو البطش الشديد، فلم يُفْلِتْهُ‏.‏ فبمثله أقول‏:‏ إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لو لم يَنْتَقِمْ لنفسه بنفسه ربما أَمْكَنَ أن يَحِلَّ عليهم غضبٌ من ربهم، أنهم كيف فَعَلُوا بنبيه أمراً كانوا نُهُوا عنه‏.‏

4459- قوله‏:‏ ‏(‏أَوْصَى إلى عَلِيَ‏)‏ نعم قد أَوْصَى إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم في بعض أمره، كفكِّ درعه التي كانت مرهونةً عند يهوديَ في نفقة عياله‏.‏ وإن كان الروافض يُرِيدُونَ أمراً وراءه، فهو لغوٌ وبهتانٌ‏.‏

4460- قوله‏:‏ ‏(‏أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ‏)‏ قيل‏:‏ الباء فيه للاستعانة، فَيَرْجِعُ إلى معنى قوله‏:‏ «تركت فيكم الثقلتين كتاب الله»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وإن كانت للصلة، فهو مفعولٌ‏.‏

باب‏:‏ آخِرِ ما تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم

4463- قوله‏:‏ ‏(‏ثُمَّ قَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى‏)‏ وعند أحمد في «مسنده»، والبيهقيِّ‏:‏ «أن آخر كلامه كان‏:‏ فيما مَلَكَتْ أيمانكم»، وإسنادُه ليس بذاك‏.‏ فالصوابُ ما في البخاريِّ‏.‏ ويُمْكِنُ الجمع بينهما، بأن ما عند البيهقيِّ آخر باعتبار ما أمر الناس به، وأمَّا ما عند البخاريِّ، فآخر كلامه مطلقاً‏.‏

4464، 4465- قوله‏:‏ ‏(‏لَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سَنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وبالمَدِينَةِ عَشْراً‏)‏ ولعلَّ هذا مخرَّجٌ على قول من اختار زمن الفَتْرَةِ ثلاث سنين، فإنه نُبِّىء على رأس أربعين، وتُوُفِّي وهو ابن ثلاث وستين، فلو نقَّصت من مجموع عمره ثلاث سنين زمن الفَتْرَةِ، حصل عشر، وعشر لإِقامته بمكة والمدينة‏.‏ وإنَّما أخرجنا منه زمن الفَتْرَةِ، لأن فيه قيداً، وهو ينزل عليه القرآن‏.‏ ثم إن مجموعَ عمره ستون بهذا الحساب، وهو نصف عمر المسيح عليه الصلاة والسلام، وقد مضى منه ثمانون، وبَقِي أربعون، ويَمْكُثُ في سبع منها مع المهدي عليه السلام‏.‏ وأمَّا مُكْثُه في السماء، فإنما لم يُحْسَبْ من عمره، لكونه موطناً غائباً عنَّا، والمستقر وهو وجه الأرض‏.‏

ثم إن الظاهرَ أن عمر عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام مئة وعشرون بالحساب الشمسيِّ، وعمره صلى الله عليه وسلّم ثلاث وستين بالحساب القمريِّ، وأنه يُسَاوِي ستين بالحساب الشمسيِّ، وإذن لا يَحْتَاجُ في بيان التنصيف إلى اعتبار المذكور أيضاً، أي حذف مدَّة الفَتْرَةِ‏.‏

باب‏:‏ وَفاةِ النبي صلى الله عليه وسلّم

قالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ مِثْلَهُ‏.‏

باب‏:‏ بَعْثِ النبي صلى الله عليه وسلّم أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيه

4470- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الخَيْرِ، عن الصُّنَابِحِيِّ‏)‏، والصُّنَابِحِيُّ هذا تابعيٌّ كبيرٌ‏.‏

باب‏:‏ كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم

4473- قوله‏:‏ ‏(‏حدَّثَنَا أحمدُ بن محمَّدِ بن حَنْبَلِ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، واعلم أن البخاريَّ روى عن ابن مَعِين في موضعٍ من كتابه، وعن أحمد في موضعين، وقد رُوِيَ عن مالك أيضاً، قالوا‏:‏ إن البخاريَّ ليس له كثير سماع عن أحمد، وذلك لأنه لمَّا كان ببغداد كان البخاريُّ صغيرَ السِّنِّ، ولمَّا جاءه مرَّةً أخرى وَجَدَه ترك التدريس، فلم يتَّفق له سماعٌ كثيرٌ‏.‏ وأمَّا أبو داود، وهو أكبرُ سِنّاً في مسلمٍ، ولازمه دَهْراً، بل إليه تَنْتَهِي روايةُ الفِقْه الحنبليِّ، وأمَّا الإِمامُ أبو حنيفة، فلا يُوجَدُ في كتابه روايةٌ عنه، نعم أَجِدُ فيه رواياتٍ عديدةً عن تلامذة تلامذته، وكذا غيرهم من الحنفية‏.‏

ثم إن البخاريَّ إن لم يَأْخُذْ عنه في صحيحه، فقد أَخَذَ عن نُعَيْم بن حمَّاد‏.‏ قيل‏:‏ إنه من رواة تعليقات البخاريِّ‏.‏ وتتبَّعْتُ له، فوجدته راوياً لمرفوعه أيضاً في موضعين، ومضى التنبيه عليه‏.‏ ونُعَيْم بن حمَّاد هذا كان يُزَوِّرُ في السُّنَّةِ‏.‏ وفي مثالب أبي حنيفة، كما في تذكرته‏:‏ ومع هذا أخذ عنه البخاريُّ كثيراً في «خلق أفعال العباد»‏.‏ وحينئذٍ وَجَبَ علينا نؤوِّل للبخاريِّ، ونقول‏:‏ معنى التزوير في السُّنَّةِ أي لتأييده‏.‏ وكذا في حقِّ أبي حنيفة إنه كان يَسْتَلِذُّ بها، لا أنه كان يزوِّرُها بنفسه‏.‏ وإلاَّ فظاهرُه شديدٌ، فإن لم يَأْخُذْ عنه، فماذا كان‏؟‏ فإنه إن كان جَرْحاً، كان فيمن أخذ عمَّن هو دون الإِمام، بل لا يُوَازِيه، وترك الروايةَ عنه‏.‏

كتاب‏:‏ تَفْسِيرِ القُرْآن

‏{‏الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏‏:‏ اسْمَانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كالعَلِيمِ وَالعَالِمِ‏.‏

واعلم أنَّ أَوَّل مَنْ خدم القرآن أئمةُ النَّحْو‏.‏ فللفرَّاء تفسير «في معاني القرآن»، وكذا للزَّجَّاج‏.‏ وذكر الذَّهبي أنَّ الفرَّاء كان حافِظَ الحديث أيضاً‏.‏ وقد أَخَذَ ابنُ جرير الطبري في تَفْسيره عن أئمة النَّحْو كثيراً، ولذا جاء تفسيرُه عدِيمَ النَّظير، ولو كان البخاريُّ أيضاً سار سَيْرَه لكان أحسنَ، لكنه كان عنده «مجازُ القرآن» لأبي عُبَيدة مَعْمَر بن المُثنَّى، فأخذ منه تفسيرَ المُفْردات، وذلك أيضاً بدون ترتيب وتهذيب، فصار كتابُه أيضاً على وَازِن كتاب أبي عبيدةَ في سُوء الترتيب، والرِّكَّة، والإِتيان بالأقوال المرجوحة، والانتقال من مادةٍ إلى مادة، ومن سورةٍ إلى سورة، فصَعُب على الطالبين فَهْمُه‏.‏ ومَنْ لا يدري حقيقةَ الحالَ يَظُنَّ أن المصنِّف أتى بها إشارةً إلى اختياره تلك الأقوالَ المرجوحةَ، مع أنه رَتَّب كتابَ التفسير كلَّه من كلام أبي عُبيدة، ولم يعرِّج إلى النَّقْد أَصلاً‏.‏ وهذا الذي عرّا شقي القاديان، حيث زَعم أنَّ البخاري أشار في تَفْسِيره إلى أنَّ التَّوَفِّي بمعنى الموت، لأنه فَسَّر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مُتَوَفّيكَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 55‏)‏ بِممِيتك؛ وهذا الآخَرُ لم يوفَّق، ليفهم أنَّ الحال ليس كما زَعمه، ولكنه كان في «مجاز القرآن»، فنقله بعينه كسائر التفسير، فإِنْ كان ذلك مختاراً، كان لأبي عُبيدة لا للمصنِّف‏.‏ وتفسيرُ الحاكم في «مستدَركِه» أحسنُ منه عندي‏.‏ ثُم إنَّ هذا غيرُ أبي عُبيد صاحب كتاب «الأموال»، فإِنَّه متقدِّم على مَعْمَر بنِ المُثنَّى، وهو أبو عُبيد قاسم بن سَلاَّم من تلامذةِ محمد بن الحسن، أَوَّل مَنْ صَنَّف في غريب الحديث‏.‏

‏(‏فائدة المجاز واستعمالاته‏)‏

ثُم إنَّ المجاز في مصطلح القدماء ليس هو المجازَ المعروف عندنا، بل هو عبارةٌ عن موارد استعمالاتِ اللفظ، ومن ههنا سَمَّى أبو عبيدة تفسيره «بمجاز القرآن»‏.‏ وهذا الذي يريدُه الزَّمخشرِي من قوله‏:‏ ومِن المجاز كذا، كما في «الأَساس»، ومن المجاز تُوفي زَيْدُ، أي مات، لا يريدُ به المجاز المعروف، بل كَوْن الموت من موارد استعمالاته‏.‏ وقد حَقَّقْنا من قَبْل أن التوفِّي كنايةٌ في الموت، وليس بمجاز‏.‏ وهكذا التأويلُ عند السَّلَف بيان المصداق، قال تعالى‏:‏ ‏{‏هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَى‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 100‏)‏ أي مِصْدَاقُها، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ‏}‏ ‏(‏يونس‏:‏ 39‏)‏ أي مصداقه، وهو عند المتأخرين بمعنى صَرْف الكلام عن الظاهر‏.‏

حكاية‏:‏ تدلُّك على شِدَّة عنايةِ أئمةِ النَّحْو، وَوَلُوعِهم بالتفسير‏.‏

اجتمع الزَّجَّاج مع المُبرّد مرةً، وكان الزجَّاج صنَّف تفسيراً، فسأله المبرِّد عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَبَ‏}‏فَلاَ تَكُن فِى مِرْيَةٍ مّن لّقَآئِهِ ‏(‏السجدة‏:‏ 23‏)‏ ما الرَّبْطُ بين الجُمْلتين‏؟‏ وهو وإنْ لم يكن ضَرُوريّاً في القرآن، لكنه ضَرُوريّ في مِثْل هذا المَوْضع، لأنه يَعُود كالجَمْع بين الضبِّ والنون‏.‏ فهذا يدلُّ على أنهم كانوا يَهْتَمُّون بِمُشْكلات القرآنِ، وكانوا يعرِفُونها، ولذا سأل المبرِّد عن أَشْكل آيةٍ في هذا الباب، ثُم لا أدري ماذا أجاب عنه الزَّجَّاج، غير أني كتبت فيه شيئاً من عند نفسي‏.‏

‏(‏معنى التفسير بالرأي‏)‏

ومِن أهم ما نريدُ أن نُلقي عليك معنى التفسيرِ بالرأي، وقد بحثوا فيه بين مُطْنب ومُوجِز، مُكْثر ومُقلّ، غير أنه لا يرجع إلى كثيرِ طائل، فلم نر في نَقْله فائدةً، فدونك عِدَّة جُمَل‏:‏ أنَّ التفسيرَ إذا لم يوجِب تغييراً لمسألة، أو تبديلاً في عقيدة السَّلَف، فليس تفسيراً بالرأي، فإِذا أوجب تغييراً لمسألةٍ متواتِرةٍ، أو تبديلاً لعقيدةٍ مُجْمَعٍ عليها، فذلك هو التفسيرُ بالرأي، وهذا الذي يستوجِب صاحبه النَّار، ولا تتحصَّل على ما قلنا، إلاَّ بعد الإطِّلاع على عاداتِ أصحابِ التفاسير‏.‏ وحينئذٍ لا قَلَق فيما فَسَّره المفسِّرون من أذهانهم الثاقبة، وأفكارِهم الصحيحة‏.‏ ومَنْ يطالع كُتُب التفسير يجدها مشحونةً بالتفسير بالرأي، ومَنْ حَجَر على العلماءِ أن يُبْرِزُوا معاني الكتاب بعد الإِمعان في السياق، والسباق، والنظر إلى حقائق الألفاظ، ومراعاة عقائد السَّلَف، بل ذلك حَظُّهم من الكتاب، فإِنَّهم هم الذين ينظرون في عجائبه، ويَكْشِفون الأستارَ عن وجوه دَقائقه، ويرفعون الحُجُبَ عن خبيئات حقائقه، فهذا النوعُ من التفسير بالرأي حَظُّ أُولي العِلْم، ونصيبُ العلماء المستنبطين، أما مَنْ تكلَّم فيه بدون صِحَّة الأدوات، لا عِنْده عِلْم من كلام السَّلَف والخَلَف، ولا له ذُوْقٌ بالعربية، وكان من أجلاف النَّاس، لم يَحْمِلْه على تفسيرِ كتابِ الله غيرُ الوقاحة، وقِلَّة العلم، فعليه الأَسف كلّ الأَسف، وذاك الذي يستحقُّ النَّار‏.‏

ثُم اعلم أنَّ تفسيرَ المُصنِّف ليس على شاكلةِ تفسير المتأخِّرين في كَشْف المُغْلقات، وتقرير المسائل، بل قَصَد فيه إخراجَ حديثٍ مناسِبٍ متعلِّقٍ به، ولو بِوَجْه، والتفسير عِنْد مُسْلم أقلُّ قليل، وأَكْثَرُ منه عند الترمذي، وليس عند غيرِهم من الصحاح الستِّ، ولذا خُصَّت باسم الجامع، وإنما كَثُرت أحاديثُ التفسير عند الترمذي، لِخِفّة شَرْطه‏.‏ أما البخاريُّ فإِنَّ له مقاصِدَ أخرى أيضاً، مع عدم مبالاته بالتَّكْرار، فجاء تفسيرُه أبسطَ من هؤلاء كلِّهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏‏)‏، قيل‏:‏ الأَوَّل أَبْلَغ من الثاني‏.‏ وقيل‏:‏ إن الأَوَّل عَلَمٌ بالغَلَبة؛ والثاني صفةٌ‏.‏ قلتُ‏:‏ إنَّ «الرحمن مهما وَجَدْناه في القرآن لم نجد معه مُتَعلَّق يتعلَّقُ به، بخلاف «الرحيم» قال تعالى‏:‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 5‏)‏ فلم يذكر له مفعولاً به، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏بالمؤمنينَ رءوفٌ رَحِيم‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 128‏)‏ فذكره‏.‏ ولقائل أن يقول‏:‏ إنَّ «الرحمن» صِفَةُ مُشَبَّهة، و«الرحيم» مبالغةٌ للفاعل، لا صفة مُشَبَّهة‏.‏

ونَقَل البخاريُّ أنَّ الرحيم والراحم واحِدُ، وهو في الأَصْل عن أبي عُبيدة‏.‏ وفي النقول الإِسلامية أنَّ المعروف عند بني إسماعيل كان اسمَ «الله»، وعند بني إسرائيل «الرَّحْمن»، ولذا لَمَّا نزلت التسميةُ استنكرها العربُ، وقالوا‏:‏ إنَّه يريدُ الخَلْط بين الدِّنَيْن، فنزلت ‏{‏الرحمن الرحيمالرَّحْمن على العَرْش استوىبالمؤمنينَ رءوفٌ رَحِيمقل ادْعُو اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ‏}‏أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاْسْمَآء الْحُسْنَى

باب‏:‏ مَا جَاءَ فِي فاتِحَةِ الكِتَاب

وَسُمِّيَتْ أُمَّ الكِتَابِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي المَصَاحِف، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلاَةِ‏.‏ وَالدِّينُ‏:‏ الجَزَاءُ فِي الخَيرِ وَالشَّرِّ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ‏.‏

وَقالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏بِالدّينِ‏}‏ ‏(‏الماعون‏:‏ 1‏)‏ ‏(‏الانفطار‏:‏ 9‏)‏ بِالحِسَابِ‏.‏ ‏{‏مَدِينِينَ‏}‏ ‏(‏الواقعة‏:‏ 86‏)‏ مُحَاسَبِينَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسُمِّيت أُمَّ الكتاب، لأَنَّه يُبْدأ بكتابتها في المصاحف‏)‏ إلخ‏.‏ قلتُ‏:‏ ولم يَنْكَشِف مما نقله المصنِّفُ شيءٌ‏.‏ والصوابُ عندي أن الأُم في الأَصْل يقال للدجاجة التي تُقَرْقِر، لتكفت إليها أَفْراخُها، وكذا يقال‏:‏ الأم، للرايةِ، لأنَّ الجيش يعودُ إليها عند الكَرِّ والفَرِّ‏.‏

إذا عَلِمت هذا، فاعلم أنَّ الفاتحةَ سُمِّيت بأُمِّ الكتاب، لأنها تبقى في محلها، وكأنَّ سائرَ السُّور تجيء، وتنضم معها على سبيل البدلية، فهي متعيِّنة للقراءةِ، وسائرُها مخيَّرة، فكأنَّها كالوَتد للقراءةِ في الركعة، وبعبارةٍ أُخْرى أنه إذا أُريد حَوْزُ الأشياء في مكان تَخَيَّر له المكانَ أَوَّلاً، ليجمع فيه، فالفاتحة لهذا التعيين، ثم تحومُ سائرُ السُّورِ حَوْلَها‏.‏ وسيجيءُ له مزيدُ التوضيح في «فضائل القرآن»‏.‏

فائدة‏:‏

واعلم أنَّ الأحاديثَ قد تَرِد كاشفةً عن أنظار ذهنيةٍ، ولا يُدْرى إلى أين جَرْيُها، وكَفُّها، وطردُها، وعَكْسُها، فيظهَر بعضُها في العمل أيضاً، ويبقى بعضُها في النَّظَر فقط‏.‏ ففي مِثْل هذه الأحاديثِ يَجِب النَّظر إلى العَمل أيضاً، ولا ينبغي القَصْر على اللفظ فقط، لينكشف أنه هل اعتُبر هذا النَّظَرُ في حَقِّ العمل أيضاً، أو بقي في النَّظَر فقط، كالإِيتار في صلاة اللَّيل، فإِنَّه نظر، لكنه لا يُدرى إلى أين جَرْيُها، وكَفُّها‏.‏ فقد أجراه بعضُهم حتى قال بِنَقْضِ الوِتْر، ومن هذا الباب قوله‏:‏ «إنَّما جُعِل الإِمامُ ليؤتمَّ به»، فالائتمام نَظرٌ ذِهْني، لا يُدْرى طَرْدُها وعكسها، فاعتبره الحنفية في باب القراءة أيضاً، وجعلوه دليلاً على تَرْك الفاتحة خَلْفَ الإِمام أيضاً، وأَخَذه الشافعيةُ أَوْسع منه، ولم ينفصل الأَمْرُ بعد، ولا ينفصل‏.‏ وراجع رسالتي «كَشْف السّتر»‏.‏

ومُحصَّل الكلام أن الأنظارَ الذهنيةَ إذا خفي طَرْدُها، وعَكْسُها، فالعبرةُ عندي بالعمل في الخارج، كيف ثبت‏.‏ فنقولُ في مسألة النقض أَنَّه إنْ ثبت نَقْضُ الوِتْر عن السَّلَف نقول‏:‏ إنَّ الإِيتارَ قد اعتُبر في حقِّ العمل أيضاً، وفي المسألة الثانية‏:‏ إنَّ الفاتحة إن ثَبَتَ تَرْكُها خَلْفَ الإِمام نقول‏:‏ إنَّه ظَهَر أَثَرُه في تَرْك القراءةِ أيضاً، وإنْ لم يثبت، كما في المسألة الأولى لا نقولُ به، ولا تُوجِب العمل من لفظ الإِتيار فقط، فإِنَّه نَظر، وشأنُه أنه لا يظهَر في العمل دائماً، فقد يبقى في النَّظر فقط، وحينئذٍ جَرُّها إلى العمل يكونُ غَلَطاً، فاعلمه، فإِنَّه ينفعُك في كثيرٍ من المواضع، وأدعو الله تعالى أن يطعمَك منه ذواقاً‏.‏

4474- قوله‏:‏ ‏(‏ألم يَقُلِ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ‏}‏‏)‏ ‏(‏الأنفال‏:‏ 24‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، استنبط منه اشافعيةُ أنَّ مجاوبةَ الرسولِ غيرُ مُفْسِدةٌ للصلاةِ، ثُم استأنسوا به في مسألةِ ذي اليَدَيْن‏.‏ قلتُ‏:‏ وهذا الاستنباطُ يُبْنى على صورةِ ترتيب الرِّواية، بأن يكونَ اعتذارُه بكونِه في الصلاة مقدَّماً، وتلاوته صلى الله عليه وسلّم الآيةَ مُؤخَّراً، ولو فرضنا اعتذارَه مؤخَّراً عن تلاوته هكذا، فدعاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم فلم أجبه، فقال‏:‏ ألم يقلِ اللَّهُ‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قلتُ‏:‏ «يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ أُصلِّي»، سقط الاستدلال‏.‏

4474- قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏لِمَا يُحْيِيكُمْ‏}‏‏)‏ ‏(‏الأَنفال‏:‏ 24‏)‏ فتعليمُه يُورِثُ الحياةَ‏.‏

4474- قوله‏:‏ ‏(‏أَعْظَمُ السور‏)‏ وفي نسخةٍ‏:‏ «أعظم سورة»‏.‏ واختلفوا في الفَرْق بين أَفْضَل رجل، وأَفْضل الرِّجالُ، فقال جماعةٌ‏:‏ إنهما سواءٌ، أقول‏:‏ لا، بل في قوله‏:‏ أَفْضَلُ رَجُلٍ من الاستقصاء ما ليس في أفضل الرِّجال، فإِنَّ الفَضْل في الأَوَّل على كلِّ رَجُلٍ رَجُل، فهو أَشْمل من الثاني، فإِنَّ الفَضْل فيه على المجموع، وراجع له شَرْح الرَّضِي على «الكافية»‏.‏

ثُم إنَّ في إطلاقِ أَعْظَم السُّوَر على الفاتحة سِرّاً، وهو أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم أرادَ به نَحْوَ تلافٍ لما ينشأ من سياق القرآن، فَإِنَّه قال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ ءاتَيْنَكَ سَبْعًا مّنَ الْمَثَانِي‏}‏وَالْقُرْءانَ الْعَظِيمَ ‏(‏الحجر‏:‏ 87‏)‏ عطف القرآن العظيم على الفاتحةِ، فدلَّ على التغايُر، وخرجت الفاتحةُ عن كَوْنها قُرآناً عظيماً، فأَزَاحه أنَّ الفاتحةَ أَعْظَمُ السُّورِ، لا أنها خَرَجت بهذا الإِطلاقِ عَنْ كَوْنها قُرآناً، كما يُوهِمُه التقابُلُ، وضلَّ مَنْ أراد أَنْ يُنْكِر كَوْنَ الفاتحةَ قُرْآناً، لئلا يَرِد عليه قولُه تعالى‏:‏ ‏{‏إذا قُرِىء القرآنُ فاستَمِعوا له وأَنْصِتُوا‏}‏ ‏(‏الأَعراف‏:‏ 204‏)‏ وكان الحديث سيق على رغم هؤلاء، ثم إنَّ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ ءاتَيْنَكَ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، إشارةٌ إلى الفاتحةِ وضَمِّ السورةِ، فإِنَّه ذَكَر أوَّلاً السَّبْع المثاني، وهي للفاتحة، ثُم القرآنَ العظيم، وهو سائر السُّوَر، فتنضم معها على سبيل التبادل‏.‏ وترجمة الآية عندي هم نى دين تجهكو سات آيتين جو ورد كردنى هين اور وظيفه بناينكى لائق هين أور ديا قرآن عظيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏ءاتَيْنَكَ سَبْعًا مّنَ الْمَثَانِي‏}‏وَالْقُرْءانَ الْعَظِيمَ ‏(‏الحجر‏:‏ 87‏)‏ الذي أُوتِيتُه‏)‏، اختلفوا في شَرْح قوله‏:‏ ‏{‏وَالْقُرْءانَ الْعَظِيمَ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أي في الحديث، أما الكلام فيه في الآية، فكما هو في محله، فقيل‏:‏ إنه مبتدأ وخَبر‏.‏ والمعنى أن ما أُوتيته هو القرآنُ العظيم‏.‏ فالجملةُ الأُولى مناسِبةٌ للباب‏.‏ والثانية الستطراديةٌ‏.‏ وقيل‏:‏ إنَّ السَّبْعَ المثاني هو القرآنُ العظيم، ففيه إطلاقُ القرآنيةِ على الفاتحة، وليس بِمُرَادٍ عندي‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلّينَ‏}‏

والأوَل هم اليهودُ، وإنَّما غَضِب عليهم لإِنكارِهم رسالةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وهي بديهيةٌ؛ والثاني هم النَّصارى، لِخَبْطِهم في التحقيقات العِلْمية، كمسألةِ التوحيد في التثليث، ولذا قال الحافظ ابنُ تيمية‏:‏ إنَّ العالِمَ المبتدِعَ على قَدَم النَّصارى، والجَاهِلَ المبتدعَ على قَدَم اليهود‏.‏

سورة البقرة

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَعَلَّمَ ءادَمَ الاسْمَآء كُلَّهَا‏}‏ ‏(‏31‏)‏

قالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ «إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ»، يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏خَلِدِينَ فِيهَا‏}‏

واعلم أنَّ العبوديةَ هي مناطُ الخلافة عندي، وإن اختار المفسرون، أنه العِلْم، وذلك لأنَّ الخَلْق إذْ ذاك كان على ثلاثةِ أنواع‏:‏ إبليس، فإِنَّه ناظر رَبَّه ولم يكن له ذلك، فصار مَطْروداً ملعوناً؛ وملائكة اللَّهِ، فإِنهم أيضاً لم يتخلَّصوا عن إساءةِ أدبٍ، فلما تابوا عفا عنهم؛ والثالث آدَم، وهذا هو الذي لما عاتبه رَبُّه لم يتكلم بحرف، ولم يواجهه إلاَّ بالبكاء، مع أن موسى عليه الصلاة والسلام لما حاجَّه في عين تلك المعصيةِ حَجّ عليه، وذلك دليلٌ على كمال عبوديته، غير أنها أَمْرٌ خَفِيٌّ، ومعنًى مستورٌ، لا يَظْهَر بها الحُجَّة على الخَصْم، وكان العِلْم أظهرَ الأشياء، لإِثبات فَضْل أَحدٍ على أحد، فاقتضت الحِكْمةُ الإِلهِيةُ أن يَخُصَّه بهذا الفَضْل أيضاً، ليرى مكانَه، ويحرِزَ مَنْزلَته، وقد فصَّلناه في غير هذا الموضع‏.‏ ثُم إنَّ من سرِّ عَقْد الخلافة ظهورَ المُطيع من غيره، لأنه ليس من المخلوق أَحَدٌ مَنْ يُنْكِر طاعةَ خالِقه، وإنَّما يَشُقُّ على المخلوقِ طاعةُ المخلوقِ، لكونه من جنسه، ولذا كَبُر على إبليسٍ السجودُ لآدَم عليه السلام، فاللَّهُ سبحانه أرادَ أن يُميِّزَ المُطيعَ مِن غيره، وأَمَر الملائكةَ أن يَسْجُدوا له، فسجدوا كلُّهم، وأَبى إبليسٌ لذلك المَعْنى، ولا يزال ذاك التمييزُ يجري إلى يوم القيامة، ولنا فيه كلامٌ طويلٌ، طَوَيْنا ذِكْره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏وَعَلَّمَ ءادَمَ الاسْمَآء كُلَّهَا‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 31‏)‏‏)‏ والمرادُ منها أسماءُ الأشياء التي لا بدَّ من عِلْمِها، والعمومُ فيه كالعموم في قوله‏:‏ ‏{‏وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء‏}‏ ‏(‏النَّمل‏:‏ 23‏)‏، ألا ترى أن اليهودَ لما سألوا عن الرُّوح، وأُجِيبوا بقوله‏:‏ ‏{‏قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى‏}‏وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ‏(‏الإِسراء‏:‏ 85‏)‏ قالوا‏:‏ كيف وعندنا التوراةُ فيها تفصيلٌ لكلِّ شيءٍ، فقيل لهم كما في «سيرة ابن هشام»‏:‏ هي في عِلْم الله قليل، فانكشفت منه حقيقةُ الكُلِّ، وحال استغراقه؛ وبالجملة لما كان آدمُ عليه الصلاة والسلام أبا البشر، ومِنْ صُلْبه خرج العالَم، لزِم أن يَعْلم أَولاً من أسماء الأشياء ليجرِّبَها فيما بعده، وتتعلم منه ذريَّتُه، وتستعملها فيما بينها، ولا تتعطَّل عن حوائجها، فاتضح منه سرُّ تعليم الأسماء كُلِّها إيَّاها‏.‏

4476- قوله‏:‏ ‏(‏فإِنَّه أَوَّلُ رَسُول‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وقد مَرَّ وَجْهُ كونِه أَوَّلَ في الأَوَّل‏.‏

4476- قوله‏:‏ ‏(‏فَيَدَعُني ما شاء‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وفي «مسند» أحمد أنه يَقَعُ في السجدة أُسبوعاً‏.‏

باب

قالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏إِلَى شَيَطِينِهِمْ‏}‏ ‏(‏14‏)‏‏:‏ أَصْحَابِهِمْ مِنَ المُنَافِقِينَ والمُشْرِكِينَ‏.‏ ‏{‏مُحِيطٌ بِالْكفِرِينَ‏}‏ ‏(‏19‏)‏ اللَّهُ جَامِعُهُمْ‏.‏ صِبْغَةٌ‏:‏ دِينٌ‏.‏ ‏{‏عَلَى الْخَشِعِينَ‏}‏ ‏(‏45‏)‏ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَقَّاً‏.‏ قالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏بِقُوَّةٍ‏}‏ ‏(‏63‏)‏ يَعْمَلُ بِمَا فِيهِ‏.‏

وَقالَ أبُو العَالِيَةِ‏:‏ ‏{‏مَّرَضٌ‏}‏ شَكٌّ‏.‏ ‏{‏وَمَا خَلْفَهَا‏}‏ ‏(‏66‏)‏ عِبْرَةٌ لِمَنْ بَقِيَ‏.‏ ‏{‏لاَّ شِيَةَ‏}‏ ‏(‏71‏)‏ لاَ بَيَاضَ‏.‏

وَقالَ غَيرُهُ‏:‏ ‏{‏يَسُومُونَكُمْ‏}‏ ‏(‏49‏)‏ يُولُونَكُمْ‏.‏ الوَلاَيَةُ- مَفتُوحَةً- مَصْدَرُ الوَلاَءِ، وَهِيَ الرُّبُوبِيَّة، وإِذَا كُسِرَت الوَاوُ فَهِيَ الإِمَارَةُ‏.‏

وَقالَ بَعْضُهُمُ‏:‏ الحُبُوبُ الَّتي تُؤْكَلُ كُلُّهَا فُومٌ‏.‏

وَقالَ قَتَادَةُ‏:‏ ‏{‏فَبَآءو‏}‏ ‏(‏90‏)‏ فانْقَلَبُوا‏.‏ وقال غَيرُهُ‏:‏ ‏{‏يَسْتَفْتِحُونَ‏}‏ ‏(‏89‏)‏ يَسْتَنْصِرُونَ‏.‏ ‏{‏شَرَوْاْ‏}‏ ‏(‏102‏)‏ بَاعُوا‏.‏ ‏{‏رعِنَا‏}‏ ‏(‏104‏)‏ مِنَ الرُّعُونَة، إِذَا أرَادُوا أنْ يُحَمِّقُوا إِنْسَاناً قالُوا‏:‏ رَاعِناً‏.‏ ‏{‏لاَّ تَجْزِى‏}‏ ‏(‏48- 123‏)‏ لاَ تُغْنِي‏.‏ ‏{‏خُطُوتِ‏}‏ ‏(‏168‏)‏ مِنَ الخَطْوِ، وَالمَعْنى‏:‏ آثارَهُ‏.‏

ومن عاداتِ المُصنِّف أنه يُسمِّي أَحَداً، ثُم يقول‏:‏ وقال غيرُه‏:‏ كما فَعَل ههنا، فَسمَّى أَوَّلاً مجاهداً، ثُم قال بعد عِدَّة أَسْطُر‏:‏ وقال غيرُه‏:‏ ‏{‏يَسُومُونَكُمْ‏}‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏رعِنَا‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 104‏)‏‏)‏ وكان اليهودُ إذا نَسَبُوا أَحداً إلى الحماقةِ، قالوا له‏:‏ «راعِنا»‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏خُطُوتِ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 168‏)‏‏)‏ من الخَطْو، والمعنى‏:‏ آثارَه‏)‏ واعلم أن الأَحْسنَ في تفسير البخاري في كلماتِ القرآنِ هو الإِعرابُ الحكائي‏.‏

باب‏:‏ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏(‏22‏)‏

4477- قوله‏:‏ ‏(‏أَنْ تُزانِيَ حَلِيلَةَ جارِك‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، والمفاعلةُ للإشعار بِطُول معاملتِه مع زوجةِ جارِه، حتى أَفْضَى الأَمْرُ إلى الزِّنا، يعني‏:‏ ابنى همسايه كى بيوى كيساتهه معامله لكائى ركها يهان تك كه نوبت زنا كى صلى الله عليه وسلّم و نجى مع أنَّ المَرْجُو من الباري هو الخيرُ، ولكنه خَلَف فيه خِلافَةَ سَوْء‏.‏

باب‏:‏ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏ ‏(‏57‏)‏

وَقالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ المَنُّ صَمْغَةٌ، وَالسَّلوىَ الطَّيرُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المنَّ‏)‏ نوعٌ من الصمغ كوئى كوندهى‏.‏

4478- قوله‏:‏ ‏(‏كَمَأة‏)‏ كهنبى، والأسود منها سُمّ، والأبيض شِفاءٌ للعَيْن‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَيَكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ ‏(‏58‏)‏

رَغَداً‏:‏ وَاسِعٌ، كَثِيرٌ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ‏}‏ ‏(‏97‏)‏

وَقالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ جَبْرَ وَمِيكَ وَسَرَافِ‏:‏ عَبْدٌ‏.‏ إِيل‏:‏ اللَّهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏حِطَّةٌ‏}‏‏)‏ كناه اتارى‏.‏ وقال عِكْرمة‏:‏ جَبْرَ، وَمِيكَ، وسَرَافِ‏:‏ عَبْدُ؛ وإِيل‏:‏ اللَّهُ‏.‏ قلتُ‏:‏ ورأيت عالِماً للتوراةِ شَرَح هذه الأسماءَ بغيره، فقال‏:‏ «جبرئيل» زوروالا، «ميكائيل» صلى الله عليه وسلّم نى صلى الله عليه وسلّم موكل، «إسرافيل» صوروالا، «غزرائيل» موت والا‏.‏ وفي الحديث أَنَّه‏:‏ يلعبُ الحوتُ، والثَّورُ بين يدي أهلِ الجنة، فيقتل الثَّوْرُ الحوتَ بِقَرْنه، ويموتُ، ويكون ذلك نزلهم في اليوم الأول، وهكذا يقع في اليوم الثاني، فتقتل الحوتُ الثَّوْرَ، بِذَنَبِه، ويكون ذلك نُزلهم‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا‏}‏ ‏(‏105‏)‏

4481- قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ‏}‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وقد مَرَّ أنَّ الآياتِ المنسوخةَ أَنْزَلُ رُتْبة في الإِعجاز مِن الآياتِ المُحْكَماتِ‏.‏ ثُم أنَّ ما يَزْعُمه الناسُ مَنْسُوخاً ليس بمنسوخٍ عندي، لبقاء حُكْمه في الجنس، ويكون ذلك تذكاراً لِوُرُود الحُكْم في ذلك الجنس، وإنْ رُفِع الآن عن بَعْضِ أنواعه، وعليه قراءةُ الجرِّ عندي في آية المائدة‏:‏ ‏{‏وامسَحُوا برءوسِكم وأَرْجُلكم‏}‏ فإِنَّ المَسْحَ على الأَرْجل ثابِتٌ في حال التَّخَفُّف، ولولا هذه القراءةُ لانعدمت مسألةُ المَسْح على الخُفِّ عن القرآن رأساً، ففي تلك القراءةِ إيماءٌ إلى أنَّ الأَرْجُل قد يكون لها حَظٌّ مِن المسح أيضاً‏.‏ فبقاءُ هذا الحُكْم في الجنس هو مفادُ تلك القراءةِ، وقد قَرَّرْناه في كتاب الوضوء‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَنَهُ‏}‏ ‏(‏116‏)‏

باب‏:‏ ‏:‏ ‏{‏وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرهِيمَ مُصَلًّى‏}‏ ‏(‏125‏)‏

‏{‏مَثَابَةً‏}‏ ‏(‏125‏)‏ يَثُوبُونَ‏:‏ يَرْجِعُونَ‏.‏

وَقالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيىبْنُ أَيُّوبَ‏:‏ حَدَّثَني حُمَيدٌ‏:‏ سَمِعْتُ أَنَساً، عَنْ عُمَرَ‏.‏

4483- قوله‏:‏ ‏(‏وَافَقْتُ اللَّهَ في ثلاثٍ‏)‏ وقد عدَّ العلماءُ موافقاتِه إلى عِشْرينَ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏ ‏(‏127‏)‏

القَوَاعِدُ‏:‏ أَسَاسُهُ، وَاحِدَتُهَا قاعِدَةٌ، ‏{‏وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النّسَآء‏}‏ ‏(‏النور‏:‏ 60‏)‏ وَاحِدُهَا قاعِدٌ‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏قُولُواْ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا‏}‏ ‏(‏136‏)‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏الْقَوَاعِدَ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 127‏)‏‏)‏ نيوين‏.‏ وإنَّما ذُكِر إسماعيل عليه الصلاة والسلام بالعَطْف، لأنه كان يَرْفَع الأحجارَ، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام يَبْنِيه، فَفَصل بينهما لهذا الفَرْق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏رَبَّنا تَقَبَّل مِنَّا‏}‏‏(‏البقرة‏:‏ 127‏)‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وقد قَدَّر المفسرون ههنا، يقولان‏:‏ ربنا‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قلتُ‏:‏ وهذا إعدامٌ لِغرض القرآنِ‏.‏ فاعلم أنَّ طريقَ المُؤرِّخ الحكايةُ عن الغائبات، على طَوْر نَقْل الغائب عن الغائب، وطريق القرآن أنه قد يأتي لإِحضار ما في الخارج عند المتكلم، وتصويره في ذِهْنه، كأنه واقعٌ الآن، وقد فَصَّلناه مِن قَبْل‏.‏ ومَنْ يَخْلِطْ بين الطريقين يَعْجِز عن إدراكِ بَعْض معاني الأَشعار أيضاً، كقوله‏:‏

خيال خواب راحت هى علاج اس بد كمانى كا *** وه كافر قبر مين مؤمن مر اشانه هلاتا

هى قوله‏:‏ علاج اس بد كمانى كا ليس خَبراً عن قوله‏:‏ خيال خواب راحت هى بل هو جملةٌ مستقِلَّةٌ، يظهر معناها عند التغيير في اللهجة‏.‏

وحاصلُ البيتِ أن حبيبي يَتَّهِمُني بعد الموتِ أيضاً، فيظنُّ أَنِّي في المنامِ، فما أَصْنَعُ بسوءِ ظنِّه ذلك، حتى أَنَّه يُحَرِّكُ كاهلي لأَستيقظَ مِن نومي، وما بي مِن نومٍ، ولكني قَد مِتُّ‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏سَيَقُولُ السُّفَهَآء مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآء إِلَى صِرطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏}‏ ‏(‏142‏)‏

باب‏:‏ ‏{‏وَكَذلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَآء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا‏}‏ ‏(‏143‏)‏

وراجع تفسيره في «فَتْح العزيز»‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏(‏143‏)‏

باب‏:‏ ‏{‏قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآء فَلَنُوَلّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ ‏(‏144‏)‏

باب‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ بِكُلّ ءايَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏‏{‏إِنَّكَ إِذَا لَّمِنَ الظَّلِمِينَ‏}‏ ‏(‏145‏)‏

باب‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏}‏ ‏(‏146- 147‏)‏

أي لما كُنتم أنوذجةَ الاعتدال، فبكم يليقُ أن تكونوا مِيزاناً لانحرافِ الأُمم الآخَرِين، والوسط العدل‏.‏ ومعنى التَّشْبيه‏:‏ إنَّا كما جَعَلْناكم وَسَطاً في أَمْر القِبْلة، كذلك في الأُمور كلِّها‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلّ شَىْء قَدِيرٌ‏}‏ ‏(‏148‏)‏

ا

والأَرْجَح عندي أن المُرادَ منها بيتُ المَقْدِس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏إِلاَّ لِنَعْلَمَ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 143‏)‏‏)‏ واعلم أن عِلْم الباري تعالى لما كان مُطابِقاً للواقع، فإِنْ كان معلومُه من الأشياءِ الخارجية أوجب عِلْمُه أن يتحقَّق ذلك الشيءُ في الخارج، كما قد عَلِمه، وإلا يَلْزم تَخَلُّفه عن الواقع، وهو مُحال، وليس في عِلْم الممكن هذا التأثيرُ‏:‏ بأن يوجِب تعلُّقُه به، وجودَه في الخارج، وحينئذٍ معنى قوله‏:‏ ‏{‏لِنَعْلَمَ‏}‏ أي ليتحقق معلومُه في الخارج، وقد مرَّ الكلام فيه مِن قَبْل‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏(‏149‏)‏

شَطْرُهُ‏:‏ تِلقَاؤُهُ‏.‏

وهذا نَظَرٌ فقط، كما عَلِمت آنِفاً، إنَّ مِن الأنظار مَنْ يبقى في النظر فقط، ولا يتحقَّق في العمل، فهذا أيضاً نَظَرٌ لم يتحقَّق في العمل، إذ لا بدَّ في الصلاة من التوجُّه إلى جهة، وإنْ صحَّ اعتقاداً أنَّ الله تعالى في كلِّ جهة، فإنَّ الله متعالٍ عن الجهات، نعم قد ظهر في بعض المواضع في حق العمل أيضاً، وهو في حال التحرِّي، وفي صلاةِ الخَوْف عند شِدَّة الخَوْف، وراجع «فتح العزيز» مِنْ قوله‏:‏ ‏{‏يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءهُمْ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 146‏)‏‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ‏}‏ ‏(‏150‏)‏

باب‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ‏}‏«- ‏(‏158‏)‏

شَعَائِرُ‏:‏ عَلاَماتٌ، وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ، وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ الصَّفوَانُ الحَجَرُ، وَيُقَالُ‏:‏ الحِجَارَةُ المُلسُ الَّتِي لاَ تُنْبِتُ شَيئاً، وَالوَاحِدَةُ صَفوَانَةٌ، بِمَعْنى الصَّفَا، وَالصَّفَا لِلجَمِيعِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والصَّفا لِلجَميع‏)‏ ولما لم يُفَرِّق أبو عُبيد بين الجَمْع، واسم الجمع، تَبِعه المؤلِّفُ أيضاً في ذلك، فلم يفرِّق أيضاً بينهما‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا‏}‏ ‏(‏165‏)‏

أَضْدَاداً، وَاحِدُهَا نِدٌّ‏.‏

4497- قوله‏:‏ ‏(‏قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم مَنْ مات‏.‏‏.‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ وقلت أنا‏:‏ مَنْ مات وهو لا يَدْعُو‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قد مَيَّز الراوي ههنا بين قوله، وبين قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وقد يقول‏:‏ إنِّي نَسِيتُها‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرّ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ ‏(‏178‏)‏

‏{‏عُفِىَ‏}‏ ‏(‏178‏)‏‏:‏ تُرِكَ‏.‏

قد تمسَّك الشافعيةُ بالآيةِ على أنَّ الحُرَّ لا يُقْتل بالعبد، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْحُرُّ بِالْحُرّ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 178‏)‏ فمفهومُه أنه لا يُقْتل بالعبدِ، وعندنا لا قِصاص بين العبد ومولاه، فإِن كان عبداً للغيرِ يُقْتل به قِصاصاً‏.‏ والتمسك بالمفهوم غير معتبر عندنا، فإِنَّه ضَعيفٌ جداً لا يليقُ أن تُناط به المسائلُ، وقد تكلَّمنا على المسألةِ مِن قَبْل‏.‏ والجواب كما في «المدارك»‏:‏ أَنَّ مَحَطَّ قوله تعالى ليس ما زعموه، بل معناه أنَّ الحُرَّ ولو كان شَرِيفاً يُقْتل في قِصاص الحرِّ وإنْ كان وَضِيعاً، لا كما في الجاهلية، أنَّ الشريفَ إذا قَتَل الوَضِيع لم يقتصُّوا له، وإذا كان بالعَكْس قَتَلُوا به، وكذا تُقْتل بالنَّفْس نَفْسٌ واحدةٌ لا نَفْسانِ، أو أَزْيد، كما كانوا يفعلُونَه‏.‏

فائدة‏:‏ ‏(‏في معنى اللام‏)‏

واعلم أنَّ الاستغراقَ ليس من معاني اللام عندي، بل هي لامُ الجِنْس، ويُفْهم الاستغراقُ من الخارج‏.‏ وهو مذهبُ الزمخشريّ، فصرَّح أنَّ اللام في قوله‏:‏ ‏{‏الحمدُ ربِّ العالمين‏}‏ للجِنْس، واعترَضَ عليه التفتازاني أنه مِن نَزْغة الاعتزال‏.‏ قلتُ‏:‏ غَفَل التفتازاني عن مذهبه، فإِنَّ الاستغراقَ ليس من معاني اللام عنده أَصْلا، ولذا لم يأخذها للاستغراقِ في سائر كتابه‏.‏ أما الاستغراقُ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الحمدُ ربِّ العالمين‏}‏ فإِنَّما حدث مِن أجل أَنَّ جِنْس الحمد إذا انحصر في الله تعالى، وانتفى عن غَيْره، لَزِم الاستغراقُ لا محالةَ، فهو عنده لُزومي، لا أَنَّه من مدلول اللام‏.‏ ومِن ههنا ظهر الجوابُ، عَمَّا أرادُوا عليه أنَّ اللام في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الإِنسَنَ لَفِى خُسْرٍ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، لو لم تكن للاستغراقِ لم يَصِحَّ الاستثناءُ بعده، وذلك لأنَّه لم يُنْكر نَفْس الاستغراق، بل أَنْكَر كونَه مدلولاً لللام‏.‏ فالفَرْقُ أنَّ المفردَ المُحلَّى باللام، يُفيدُ الاستغراق عند جماعةٍ، وهو مدلولُه، بخلافِه عند الزمخشريِّ، فإِنَّه من لوازم الحَصْر، لا مِن مدلولِ الحَرْف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كَسَرَت ثِنِيَّةَ جَارِيةٍ‏)‏ وفي بعض الروايات أنها كَسَرت ثَنِيَّة رَجُلٍ، فما لم يَتَعَيَّن أنَّ المَجْني عليه كان رَجُلاً أو امرأة، لم يَصْلُح أن يقومَ حُجَّةً على الحنفية، في أنه لا قِصاص بين الرجل والمرأة في الأطراف؛ ومِن ههنا سَقَط إيرادُ ابن حَزْم‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏- ‏(‏183‏)‏

4501- قوله‏:‏ ‏(‏فلما نَزَل رَمَضانُ‏)‏ كان رَمَضَان الفريضة، وهذا اللفظ مُشيرٌ إلى فرضيةِ عاشوراء قَبْل رمضانَ، والشافعيةُ يُنْكِرُونها، وبُوَّب عليه الطحاويُّ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَيَّامًا مَّعْدُودتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏(‏184‏)‏

وَقالَ عَطَاءٌ‏:‏ يُفطِرُ مِنَ المَرَضِ كُلِّهِ، كَمَا قالَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَقالَ الحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ في المُرْضِعِ وَالحَامِلِ‏:‏ إِذَا خافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِما تُفطِرَانِ ثُمَّ تَقْضِيَانِ، وَأَمَّا الشَّيخُ الكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ، فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ ما كَبِرَ عاماً أَوْ عامَينِ، كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِيناً، خُبْزاً وَلحَماً، وَأَفطَرَ‏.‏

قِرَاءَةُ العَامَّةِ ‏{‏يُطِيقُونَهُ‏}‏ وَهُوَ أَكْثَرُ‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ‏}‏ ‏(‏185‏)‏

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ماتَ بُكَيرٌ قَبْلَ يَزَيدَ‏.‏

وقد مرَّ في «الصيام» مبسوطاً أنَّ قولَه تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 184‏)‏ ليس بِمنسُوخٍ عندي، وبقاءُ جزئياتِ الفِدْية في المذاهب الأربعة من أجل تلك الآية، ولولا قولُهُ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ‏}‏ لم يَبْق لتلك الجزئياتِ في الدِّين أَصْلٌ، وهذا هو السرُّ في بقاء تلك الآياتِ في التلاوة، فإِنها لا تزال معمولاً بها بنحوٍ من الوجوه، وهذا كما قلت‏:‏ إنَّه لولا قراءةُ الجَرِّ في قوله‏:‏ ‏{‏وَأَرْجُلَكُمْ‏}‏ لارتفع أَصْلُ المسح مِن القرآن‏.‏ فهذه القراءةُ هي التي تركت بِذْرِ المَسْح في القرآن، ولو كان العملُ بها في صورةٍ ما، كحال التخفُّف‏.‏

ثُم إنَّه قد كَثُر إطلاقُ النَّسْخ في السَّلَف، وذلك لأنهم سَمّوا تقييدَ المطلق، وتخثيصَ العام، وتأويلَ الظاهر أيضاً نَسْخاً، وقلّ عند الأُصوليين بالنسبةِ إليهم، وقد أَنكرت النَّسْخ رأساً، بمعنى رَفْعِ الحُكْم، بحيث لا يبقى له اسمٌ، ولا أَثر في جزئيَ من الجُزئياتِ‏.‏ وقد مَرَّ التفصيلُ في الصيام‏.‏